ما هو أفضل مقياس بالنسبة لك ؟

jeudi 5 avril 2012

أ.د.فاطمة الزهراء قشي : المنهج الكمي في الدراسات التاريخية




المنهج الكمي في الدراسات التاريخية

التركيبة السكانية لقسنطينة نهاية القرن الثامن عشر





المسألة : دراسة مدى استقرار الزواج في مدينة قسنطينة

المصدر أو الوثيقة: سجلات المحكمة الشرعية في مطلع القرن الثالث عشر للهجرة/ نهاية القرن الثامن عشر.

الإشكالية:  يمكن حصر الإشكالية في سؤالين:

-       هل يمكن دراسة المجتمع الجزائري انطلاقا من الوثائق التي أنتجتها الإدارات المحلية؟ ومن ثمة التحرر من النظرة الخارجية التي عممتها كتابات الرحالة والقناصل خاصة.

-       وإلى أي مدى يمكن توظيف سجلات العدول وآلاف العقود المدونة بها في تجديد معارفنا في الديموغرافيا التاريخية أي هل يمكن القيام بتعداد سكان المدينة وما يتفرع عنها من معطيات؟

-       هل كان التدوين منتظما وشمل كل سكان المدينة في مجال الزواج والطلاق ومن ثمة هل تعد الوثيقة هذه عينة معبرة للقيام بدراسة كمية؟

-       الأدوات: السبر أو الجرد الكلي أو العينة المعبرة.

-       يتمثل السبر في علم الإحصاء في الاطلاع السريع والمقنن على فحوى الوثيقة لاستخلاص مواصفاتها الأولية وتقرير طريقة التعامل الأمثل حسب الظروف الممكنة. ونظيف هنا أن السجلات مخطوطة بحط مغربي ومحفوظة بمصلحة الأرشيف لا يمكن تصويرها ولا نسخها بالآلة وإنما كان يجب نقل فحوى العقود باليد بعد فك رموز الخط.

-       يتمثل الجرد الكامل في دراسة محتوى السجل كله أو كل السجلات أي الإلمام الكامل بمحتوى الوثيقة ولكنها عملية مستحيلة على فرد واحد في الظروف المتاحة للأطروحة. ولا زالت صعبة حتى على فريق كامل لما تتطلب من صبر ودقة ومثابرة...

-       فلجأنا إلى ما يلجأ إليه علماء الإحصاء إلى العينة المعبرة. هنا واجهتنا طبيعة الوثيقة التي كانت تتمثل في سجلات يختلف طول ورقها وعدد صفحات كل منها وعدد العقود في كل صفحة فضلا وهو الأصعب عن عدم ترقيم الصفحات ولا يوجد بياض بين عقد وآخر إذ لا تفصل بين عقدين سوى كلمة الحمد لله التي يبدأ بها العقد الموالي.

  مع هذه الصعوبات الموضوعية، كان الإصرار والمثابرة وحب المغامرة العلمية وتطلعنا لاستغلال جديد لتلك الوثائق العدلية هي الدوافع المحفزة للإقدام على العملية. وحتى تكتمل الصورة أردنا أن نختبر الوثيقة والمعطيات المستخرجة حسب برنامج تنظيم الملفات بالإعلام الآلي.

وكللت العملية بنجاح باهر. 



قبل أن أشرح المنهج والخطوات العملية للجرد وتركيب قاعدة المعلومات أقول إذن إن الإصرار كان في محليه وأن النتائج العلمية والتاريخية عوضت عن التعب وطول المدة التي استغرقها البحث لتشعب المعطيات وتداخل الصعوبات وولوج عالج عالم الانتربولوجيا التاريخية بدراسة مواصفات مؤسسة الزواج...



-       المنهج الكمي: عودة إلى التعريف



سأحاول أن أشرح لكم، بالمثال، كيف يمكن تجديد الدراسات التاريخية وإثراء معرفتنا لمجتمعاتنا بتوظيف وثائق عدلية لم تكن قيل عقود ينظر إليها كمصدر للبحث التاريخي.

بعد آخرين، اكتشفنا ثراء هذا النوع من الوثائق الإدارية التي توصف أحيانا بالحياد لأنها لم توضع بهدف خدمة المتعاملين ولم تهدف لتعريف الخلف بما قام به السلف. ويقصد بهذه الوثائق عقود الأوقاف وكل المعاملات ومن بينها عقود الزواج والطلاق.



 مع هذا لا يمكن إهمال ظروف إنتاج هذه الوثائق وشروطها. هل كان التدوين إجباريا أم اختياريا؟ من كان يشرف على عملية التسجيل؟ هل هذه عقود أصلية أم نسخا منها أو مختصرات منها؟ أسئلة تفيد في تحديد قيمة الوثيقة ومصداقيتها وأبعاد وضعها وإصدارها





درسنا في رسالة الدكتوراه المجتمع القسنطيني ووظفنا المنهج الكمي في استغلال عقود الزواج والطلاق. وإن تأخر نشر هذا الجزء من الرسالة إلى سنة 2007 بعد إدخال تعديلات وإضافات عليه إن المنطلق المنهجي لم يوظف بعد من قبل باحثين آخرين. ربما لسببين اثنين: أولا أن مثل هذه الوثائق المتواترة في فترة طويلة نسبيا لا تتوفر في كل المدن الجزائرية. لم يحفظ في مدينة لجزائر سواء مئات العقود الموثقة للزواج والطلاق وهي وثائق مستقلة ضمن وثائق المحاكم الشرعية في حين لدينا بقسنطينة سجلات تحفظ عقود المحكمة المالكية لقسنطينة لمدة سبعين عاما وتعد بالمئات سنويا (معدل 300 زواج في السنة).

ويكمن السبب الثاني في العزوف على المنهج الكمي لما يتطلبه من دقة وتركيز في نقل فحوى العقود ثم ترتيبها ثم تصنيفها. ويزيد الأمر صعوبة كلما زاد حجم العينة المتفق عليها.



الدراسة الكمية حول وثائق سابقة عن عهد الإحصاء.

- تتطلب الدراسة الكمية تقنيات وتحفظات من شأنها أن تضمن صحة النتائج وسلامتها ومصداقيتها. فالمنهج الكمي لا يعني الحساب من اجل الحساب أو التعداد المطلق. فالمسألة المطروحة أو الإشكالية هي التي تحدد طبيعة الأدوات والتقنيات الضرورية للوصول إلى النتائج والإجابات المرجوة. وإن تكشف الدراسة الكمية على الظواهر والتواتر والتيارات فإنها لا تمنح التفاسير ولا تغني عن التحليل النوعي. إنها المؤشر الضروري لقياس الظاهرة وضبطها والانتباه إليها ثم تأتي عملية الشرح بوضع الظاهرة في سياقها التاريخي وظروفها.



لذا سأقدم لكم مثالين اثنين لشرح الخطوات العملية

تتمثل الحالة الأولى في محاولة دراسة المجتمع القسنطيني من حيث نسبة الزواج والطلاق ومدى ظاهرة تعدد الزوجات وتعدد الزيجات بين النساء ومدى استقرار الزيجات.

-       طرحت المسألة الأولى صعوبة بل استحالة قياس نسبة الزواج في المجتمع لعدة أسباب. لكي نقيس هذا النسبة نحتاج إلى المعطيات التالية: عدد السكان الإجمالي، شرائح الأعمار وعدد الزيجات سنويا.

ولم نكن نملك لا العنصر الأول ولا العنصر الثاني.

-       لاختيار عينة معبرة في دراسة كمية، لأنه عادة ما يستحيل الجرد الكامل، يجب معرفة الكمية الإجمالية للعقود/ المادة المدروسة/ وانتقاء نسبة 10 أو 15 في المائة منها موضوع الدراسة. ويتم الاختيار بطريقة عشوائية لكنها منظمة مقننة. كأن نأخذ مثلا الصفحة العشرة من السجل ثم ننتقل بعشر صفحات في كل مرة. إلا أن هذا الأسلوب يقتضي سجلات نمطية في طول الصفحات وعدد العقود بكل منها مما يسمح بمعرفة عدد العقود مسبقا وما تمثله مقارنة بعدد العقود الإجمالي للوثيقة المعنية. ولم تكن سجلات العدول القسنطينية مرقمة الصفحات ولا نمطية الكتابة ويختلف عدد العقود بين صفحة وأخرى حسب خط الكاتب. مما اضطرنا إلى التحايل المنهجي قصد تثمين فحو هذه العقود.

-       فرجعنا إلى الإشكالية و الأسئلة المطروحة وما نريد معرفته بالدرجة الأولى.

-       انطلقنا من فكرة تعدد الزوجات وأردنا امتحان الفرضية ومعرفة مدى صحتها و ما هي نسبة الذين يعددون الزواج وإن أمكن الشريحة الاجتماعية التي تعدد الزواج. هناك سؤال يحتاج دراسة كمية وسؤال يحتاج على معلومات نوعية حول المتزوجين لتحديد مستواهم الاجتماعي.

-       للخروج ن مأزق الكم فكرنا في ضرورة السبر الأولى ثم الجرد الكامل لسنوات كاملة ومتتالية حتى لا نضيع بعض العناصر التي قد تفيد في توضيح الظاهرة. وأصبح السؤال في الصيغة التالية: ما هي أقصر مدة معاشرة بين زوجين تسمح بقياس ظاهرة الطلاق من جهة وظاهرة تكرار الزواج من جهة ثانية؟

-       وبالتدريج وصلنا إلى سبع سنوات متتالية. وكان الهدف منهجيا وعلميا.

-       من حيث المنهج أردنا أن نختبر الوثيقة ومدى مصداقيتها ونحققها لأنها كانت أول تستغل السجلات بصفة مكثفة وكمية.

-       وقد نجحت الوثيقة في امتحان الحاسوب إذ بعد نقل العقود باليد في مصلحة الأرشيف رصدناها ثانية في برنامج إعلام آلي لتسهيل تقاطع وتقابل المعطيات.

-       المهم، وباختصار كانت العملية مثمرة إذ سمح رصد العقود بكل عناصرها من ترتيب المتزوجين وتصنيفهم بالاسم مما يفيد في معرفة من عدد الزواج بالتوازي ومن عدده بعد طلاق.

-       كما أفادنا الرصد بالاسم وليس الاكتفاء بالحالات المجهولة الهوية لأن الأرقام الإجمالية تطمس الظاهرة وتحجب الفوارق  في مسألة الطلاق الأول والثاني والثالث وهي تدون كلها أمام القاضي، فترتفع نسبة الطلاق بصفة مذهلة إذا عددنا الحالة مرتين أو ثلاثة أضعاف.

-       في الموقف مثلا، بينت الدراسة الكمية مواصفات  والطلاق عند المسلمين وهو يختلف بصفته الرجعية.

-       النتائج:

-       10 في المائة يعددون الزواج...

-       8 في المائة تزوجوا بابنة العم حسب الألقاب العائلية...

-       ثلث عقود الزواج يخص الأبكار أو الزواج الأول وثلثي العقود كانت تهم الثيبات

-       10 في المائة من الزيجات تهم الثيبات مع أولادهم

-       10 في المائة من عقود الزواج فيها شروط

-       22 في المائة من النساء زوجهن الأب

-       23                              الأخ والشقيق

-       18                                 ابن العم

تسمح الدراسة الكمية من الاهتمام بالجانب النوعي إذ يحدد نسبة الظاهرة بدقة ولا يدع الشك أو الانبهار يمنحها مكانة أكبر من حجمها.







جدول رقم :  تعدد الزيجات عند النساء/ تكرار الزواج/ قشي/ قسنطينة المدينة والمجتمع/ص 352

 الإسم
اسم الأب
النسب
عدد الزيجات
عدد الطلقات
رقم العقد في    "dict2”
فاطمة بنت
احمد
العمـــري
5
2
1068
فاطمة بنت
محمد
العـمــري
3
5
1074
منصورة بنت
 عابد
العنــــابي
2
2
1145
مباركة بنت
عمر
بن غولة
2
2
1676
كلثوم بنت
مبارك
الدراجي
3
2
2386
فاطمة بنت
مبارك
القرفي
2
4
2571
عايشة بنت
احمد
اليدري
2
2
2892
عايشة بنت 
سليمان
اليدري
3
2
2897
فاطمة بنت
عمر
اليدري
2
2
2914
أم السعد

المعمراتني
4
2
3225
عايشة بنت
عمر
من القبيل
2
2
3532
فاطمة بنت
محمد
من القبيل
9
3
3569
فاطمة بنت
رابح
من القبيل
2
3
3571
مسعودة بنت
محمد
من القبيل
2
2
3635
فاطمة بنت    

الصحراوي
2
2
3871
فاطمة بنت
محمد
الزموري
3
4
4419

 - ”dict2”  فهرس يضم الزوجات بالاسم والنسب في حين خصص dict1” " للازواج ويبرز كل منهما عدد العقود المسجلة لكل فرد. نسخ الجدول يدويا لأن قاعدة المعطيات بالاحرف اللاتـنية.





 (لقلة الكتابات المحلية)، وهدفا معرفيا يكمن في معالجة قضايا كثيرا ما ساد التعميم حولها وخاصة مسألة تعدد الزوجات وظاهرة الطلاق... وما دامت المادة تسمح لنا بمتابعة الأزواج ولو بصعوبة كبيرة، فقد اقتحمنا الميدان بعزيمة الوصول إلى صورة واضحة عن المجتمع القسنطيني في نهاية القرن الثامن عشر كعينة انطلاقا من الواقع والممارسة. وفي هذا الميدان لا تنفع العينات  الصغرى المركزة على الفئات البارزة لشهرتها أو لثراءها لأنها قد تؤدي إلى تسليط الضوء على فئة دون أخرى وتهمل شرائح أخرى من المجتمع، فضلا عن العينة المعبرة فنحن نطمح إلى إبراز مدى تشابك المظاهر وتعقدها. ولصعوبة تحديد العينة من أجل سبر مقبول حسب المقاييس العلمية خاصة ونحن نجهل عدد العقود الإجمالي لغياب ترقيم الصفحات، وعدد العقود في الصفحة الواحدة لأنها تتغير وكذا عدد السكان حسب الأعمار..، وعدم معرفتنا بالثغرات إلا بتصفح السجلات العشر[1].   ولهذه الأسباب جردنا سبع سنوات متتالية حتى نضمن أكبر قدر من الدقة يمكن استخلاص المواقف منها بعد فترة معقولة ومقبولة. وإن أدى هذا الاختيار إلى التحديد من طموحنا في النتائج المرجوة والتي لم تكن مضمونة.

وأصبح الهدف الأولي من الجرد الكامل هو اختبار الوثيقة نفسها وتحقيقها. حيث لم يعثر على مثيل لها في الجزائر ولم تستغل من قبل بهذه الطريقة المسحية[2]. فكان التساؤل حول مصداقية السجلات ومدى الجدية في تسجيل العقود وحول دوافع التسجيل وهل هناك ما يجبر الحضر على المثول أمام القاضي لتدوين عقود زواجهم وطلاقهم فحسب وكذا الإبراء من دين أو فض نزاع بسيط... فأخضعناه للفحص والتمحيص والفيناه صحيحا. بمعنى أنه كان متناسقا. وقد وجدنا انتظاما في التسجيل والتزاما بحيثيات الصياغة في العقود العدلية، حيث  ترددت الأسماء بين أيدينا وتكررت وسمحت لنا بمتابعة مسار الأفراد والأزواج بالإسم وهذا ما كنا نطمح إليه. لأن الإحصاءات الإجمالية،   بالعدد وليس بالإسم، لها معنى يحتاج إلى تدقيق. فالمعدلات كما هو معلوم في الإحصاء تخفي الفوارق فأردنا الإنطلاق من الفرد ومساره. بل من الأفراد، من العامة وليس من الخاصة. هنا أيضا تعمدنا الإبتعاد عن الشخصيات المرموقة والمعروفة والتي يسهل البحث عنها نسبيا وقد تحجب بحضورها المهيمن باقي الأفراد. وهو اختيار منهجي فضل القاعدة على القمة، وركز على الجانب الإجتماعي أكثر من الجانب السياسي. وربما أفرطنا في هذا الاتجاه فلم نترك مجالا لرجالات المدينة البارزين إلا بما يسمح به السياق.   إلا أن البحوث التاريخية ما فتأت تطالعنا بإشكاليات جديدة وموضوعات متجددة وإعادة النظر في مهمتنا[3]. فما كدنا نلحق بركب الدراسات الكمية على مستوى الفئات والمجتمعات حتى رجع الفرد إلى الواجهة وطغت المحلية كمنطلق لمعرفة الكل والآخر[4]. بهذه  الحيثيات وجدنا أنفسنا قد اتجهنا نحو إختيارات صعبة...  صعبة لغياب النماذج المنهجية باللغة العربية.  بجانب المجهود النظري والتوثيقي يضاف عناء الترجمة وصعوبتها، ومن ثم "معركة المفاهيم" ومدى تطابقها وإمكانية توظيفها لوسط غير الوسط الذي انتجها وانتجت من أجله. صعبة لأن الدراسة تنطلق من المحلي وتحاول الإجابة على تساؤلات منهجية وتاريخية طرحت أيضا في محيط آخر. وإن كانت شيقة وتبعث على التحدي فالوضعية ليست مريحة للباحث...





فمن القضايا التي لمسناها وحاولنا علاجها ولكن تركناها معلقة مسألة الديموغرافية التاريخية. وتتمثل المسألة في البحث عن المعطيات التي تسمح بإعادة النظر في التقديرات السكانية للمدينة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد بدا لنا أن عقود الزواج المسجلة أمام المحكمة المالكية قد تسمح بهذا. ولكن هذه المعلومات وحدها لا تفي بالغرض لعدة أسباب منها أن العقود لا تهتم بسن الزواج، ولا تبين تكرار الزواج ـ عند الرجال ـ  إلا إذا كان مع نفس الزوج(ة)، وعليه لا يمكن معرفة نسبة التزاوج ويمكن تعداد نفس الشخص أكثر من مرة.... ولكن على المدى المتوسط وعلى أكثر من جيل يمكن التعرف إلى أفراد العائلة الذين أقدموا على الزواج ومن ثم محاولة قياس متوسط أفراد الأسرة الواحدة، انطلاقا من عدد  الذين بقوا على قيد الحياة وأقبلوا على الزواج مما يضعف التصوارت على الأجيال في سن الطفولة ونسبة الخصوبة، في ظل نسبة عالية لوفيات الأطفال.

 قد يمكن التعرض إلى نفس المسألة من زاوية حضانة الأطفال عند الطلاق. وإن كان  أبناء المطلقين لا يعبرون عن واقع متوسط عدد الأطفال لأن الطلاق لا يمس مجمل العائلات ثم هو يقطع علاقة زوجية، غالبا ما تكون في فترة الإنجاب ويوقف بذلك النسل ويحد منه‎.  وعليه  لا يمكن الإقدام على تقديرات جديدة للسكان مبني على هذه  الفرضيات إلا بعد جرد كامل للسجلات العشر الخاصة بفترة 1787-1857، من جهة ثم إعادة القراءة في الإحصاءات الأولية لسنوات الاحتلال الفرنسي وظروف انتاجها، من جهة  ثانية.

    إن أجيالا ثلاثة من الأزواج تسمح بتركيب العائلات ومعرفة متوسط افراد

    الأسر القسنطينية، مدى استقرارها في العلاقة الزوجية وفي المدينة.

 كيف لنا أن نعرف عدد السكان الإجمالي ونحن لا نفرق بين الوافدين على المدينة  والمولودين بها، كما نجهل نسبة الأطفال من الكهول وليست لدينا معطيات   كافية لقياس نسبة الوفيات من الولادات.

 ثغرات كثيرة لا زالت تحول دون الإحاطة بمميزات المجتمع الديموغرافية لتلك الفترة ولكن أملنا كبير في الحصول على ما يغير هذا الوضع بمواصلة الجرد على مدى أكثر من ثلاثة أجيال وتركيب أسر بأكملها من خلال من بلغ منهم سن الزواج واقدم عليه.

  

  لقد فرضت الوثائق مادتها.  وكان التحدي أن نبني بمواد جديدة وإن بدت غير كافية وغير شافية  لأنها وثائق دونت ممارسات ومواقف.

 أردنا الانطلاق من الصور اللصيقة بالمجتمع والبحث على أجوبة جزئية كأن ندرس الممارسات في ميدان المصاهرات  منحصرة في بعض العائلات  أو بعض الفئات  حسب مقاييس محددة. لكن رب ضارة نافعة! إن صعوبة انتقاء العقود المرغوب فيها لعدم الترتيب وصعوبة فك الخط  جعلنا نلجأ إلى الجرد الكامل عله يعطي نتائج مقنعة من حيث استكمال شروط العينة المعبرة. وعليه آثرنا أن نتبع ما ورد في العقود لمدة سبع سنوات متتالية لمعرفة فحوى السجلات ومدى انتظام التسجيل وانضباط كاتب  المحكمة من حيث الشكل والتطلع إلى معرفة تواتر الزواج والطلاق عند الفرد الواحد من حيث المضمون. وهكذا بدأت ترتسم ملامح الموضوع.





لم تشكك هذه الدراسات في صحة النمط فحسب إنما تقترح إعادة النظر في التصنيفات وهو ما نريد المساهمة فيه. إذ "إن المسألة العويصة التي تواجه كل مؤرخ  للمجتمع تكمن في كيفية وضع شبكة للقراءة والتحليل كفيلة بتوضيح المجتمعات المدروسة. وكيف يمكن العثور أو استخراج الوحدات المناسبة، أو  بمعنى آخر ما هي  الوحدات التي تستطيع أن تدمج أكبر عدد ممكن من الأحداث الملاحظة؟"[5]





أردنا دخول المدينة من زاوية العمران والسكان، وذلك بالتركيز على التركيبة الاجتماعية وتفضيل العامة على الخاصة، والجماعة على الفرد وذلك لسببين:  الأول منهجي  والثاني يخص الوثائق. فمن حيث المنهج كان هدفنا الخروج من تكرار الكتابات حول الشخصيات المؤثرة في مسار المدينة  بكسر الاحتكار ثم توظيف سجلات العقود المتنوعة التي اوردت اناسا من العامة لم يتميزوا بشيء سوى أنهم عاشوا في قسنطينة وتزوجوا بها واعطوا المجتمع الحضري ملامحه  التي ندرسها  من خلال ممارساتهم المتفاوتة.

أما من حيث الوثائق أن سجلات العدول التي اكتفت بمعطيات مقتضبة حول القضايا المطروحة فلا تشجع البحث في نمط السيرة أو الترجمة لأنها لا توثق للفرد بقدر ما توثق للقضية. وعليه حاولنا استنطاق هذه الوثائق   حسب منهج كمي أول الأمر لرسم التيارات الكبرى ثم البحث عما  يوضح الصورة كلما امكن ذلك. وتبقى الدراسة متواضعة إجمالا إذ تعد مسحا افقيا   جمع كل الذين تزوجوا بالمدينة فيما بين 1202 و1208. وسبرا طوليا في سنوات وفترات فرضها الظروف والوثائق. وعليه قد اهملنا الشخصيات الفاعلة التي غابت عن العينة.   





المنــاهـــج و التــقنيـــات





وهنا كان الهدف هو التعرف أولا على ممارسات أهل قسنطينة في ميدان الزواج والمصاهرة. وقد وقع اختيارنا على الأسلوب المسحي الكمي. لماذا؟ ربما لصعوبته وللخروج عن الطرق المعبدة!  بل فرضت نوعية الوثائق هذا الإتجاة كما أغرتنا البحوث المعتمدة على الإعلامية والتي وظفت وثائق مماثلة شكلا من دفاتر الكنائس وتقاييد مؤسسات السجن وملفات الأوقاف في تونس وغيرها.





بعد جرد ست سنوات متتالية من عقود الزواج والطلاق اتضحت لها المميزات العامة للمجتمع، كما بدت في نفس الوقت ضرورة تمديد البحث والتحقيق على فترة أطول تكون نتائجها أدق وأعم. كما تأكدت ضرورة البحث الجماعي لدراسة متعددة الأوجه والإختصاصات لما تتطلبه أيضا من وقت في رصد المعلومات وتخزينها وضبط تقنيات البحث. كما أن فك رموز الخط المغربي لمختلف السجلات ليس بالأمر الهين عندما يقتضي الأمر الفصل بين حروف متقاربة في الشكل.   













"ومن بين الأدوات التي توجد تحت تصرف المؤرخين، هناك أدوات كلاسيكية أو على الأقل متعارف عليها كذلك بين المختصين، مثل المفاهيم وطرق البحث وتقنيات الحساب... وتوجد أخرى مثل أشكال الحجة والبرهان وأساليب التعبير وطريقة الإستشهاد واللعب بالصور البلاغية وبصفة عامة بأشكال كتابة التاريخ"[6].



أن الدراسة المسحية تعطي التوجه العام للعينة المدروسة في حين تلقي الدراسات القطاعية أو الفئوية الضوء على مجموعة صغيرة بمعزل عن الباقي



 فالنظرة المسحية مكنت من تعديل القياس بالكشف على الحضور الكثيف لأهل الريف وسط المدينة.    



أما المثال  الثاني فيتكون من دفتر الوفيات كوثيقة ومن شبكة الحرف والحرفيين وكثافتهم في المدينة.



 يوجد بمصلحة الأرشيف دفتر يتيم للوفيات يعود إلى سنة 1840-1841.

يعود إذن إلى الفترة الاستعمارية الأولى

لا تهمنا اليوم ظروف وضعه وإنما نوعية المعلومات المدونة بغرض التصريح بالوفيات أمام من له الحكم الشرعي.

يضم السجل 475 تصريحا للوفاة

ويشتمل كل تصريح على معلومات  تخص المصرح والمتوفى وشهيدين.

نماذج لتصريحات الوفاة.

توفر معطيات متواترة ومتكررة تخص كل الشهود مما يفيد في دراسة كمية للحرفيين الذين أعلنوا عن مهنهم وعناوين سكناهم فضلا عن أسمائهم وأحيانا أدلوا بأعمارهم.  

يمكن دراسة الأمراض المؤدية للوفاة أو متوسط العمر ولكن المعلومات غير كافية في هذا الشأن.

فآثرنا دراسة شبكة الحرف والحرفيين وكيفية توزيع سكناتهم على النسيج العمراني.





[1] اتصلت بالمختصين في البحوث الاجتماعية وتناقشنا في قضية العينة  مع فيليب سبوا Ph. Cibois، من دار العلوم الإنسانية بباريس، كما التقيت يالسيد إستابلي، والسيدة حرمهC. Establet  ، بمدينة إكس،  التي وظفت الحاسوب لدراسة مراسلات القياد مع المكاتب العربية وخرجت بدراسة جديدة حول الموضوع. وقد   تمت هذه القاءات بتقديم بكل من الأستاذ محمد الهادي الشريف، والأستاذ اندري ريمونA. Raymond  ، فلهم مني جميل الشكر ولو بعد مدة.
[2] وظفتها جميلة معاشي في مذكرتها للماجستيروفد عالجت فيها: الأسر المحلية الحاكمة في بايلك الشرق ..جامعة قسنطينة، 1992. كما تعاملت معها إزابيل قرانقو في دراستها حول قسنطينة. لم تكمل رسالة الدكتوراه ولكن ناقشت مذكرة دبلوم الدراسات المعمقة ... وقد تناقشنا في الموضوع حتى لا تتكرر الدراسة، فاتخذت منحى مغايرا وركزت على تركيب الملكيات ودراسة نظام الحكم ...
Grangaud, Isabelle. Histoire sociale de Constantine au XVIIIe siècle. D.E.A. Histoire. EHESS.. S/dir. L. Valensi. 1991-92. 113p.
[3] Lepetit, B. (dir).  Les formes de l’expérience une autre histoire sociale, Paris. 1994.
Legoff, J. ,R. Chartier. (dir.).  La nouvelle histoire. Les  encyclopédies du savoir moderne, CEPL. Paris. 1978.  574p. 
Revel, J. (dir.) Jeux d’echelles, ma micro-analyse à l’expérience. Hautes Etudes -Gallimard/ LeSeuil. Paris. 1996. 243p.
[4] Levi, G. Le pouvoir au village

Individu et société
[5]Revel, J. L'histoire au ras du sol. présentation .  in  Le  pouvoir au village de G. Levi; p XXVI.
[6]Revel, J.  pXVI.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire